-
منظمة سورية حول "التجمعات السكنية - المستوطنات" في عفرين: هندسة ديمغرافية ينبغي مواجهتها
أصدرت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، الأربعاء، تقريراً حول بناء "التجمعات السكنية"، أو ما يطلق عليها سكان عفرين الأصليون الكورد بـ"المستوطنات"، المشيدة إما في أراضي مهجرين كورد بفعل الغزو العسكري التركي يناير العام 2018، والذي عرف بمسمى "عملية غصن الزيتون"، مؤكدة (منظمة سوريون)، أنه "يجب على مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوربي، اتخاذ مواقف صارمة تجاه محاولات التغيير الديمغرافية القسرية في عموم سوريا، تحت أي مسمّى، وضمان ألاّ تساهم المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار والتعافي المبكّر بترسيخ تلك العمليات وجعلها أمراً واقعاً".
ملّخص تنفيذي
وجاء في المخلص التنفيذي للتقرير المكون من 36 صفحة، والذي يضم الكثير من المعلومات المرفقة بصور للأقمار الاصطناعية، لأحد "التجمعات/ المستوطنات"، التي تم بناؤها في عفرين وريفها، مؤكدةً أنه "بموافقة من السلطات التركية، قامت عدة من فصائل الجيش الوطني السوري/ المعارض، ببناء واحدة من أكبر المستوطنات البشرية التي خُصصت في معظمها لإسكان مقاتلي الجيش الوطني السوري/ المعارض وعائلاتهم في منطقة عفرين، التي شكّل الكرد السوريون النسبة الأعظم من عدد سكانها تاريخياً".
وتابعت: "تمّ بناء ذلك "التجمّع السكني" على مساحة شاسعة من المنطقة التي تُعرف محلّياً باسم "جبل الأحلام"، والتي تشكّل جزءاً من جبل الأكراد؛ الترجمة العربية للتسمية التركية (Kurd Dagh) والتسمية الكردية (Çiyayê Kurmênc)، وتتميز بموقع استراتيجي هام، كونه يطل على مركز مدينة عفرين، ويفصل بين مناطق السيطرة التركية الحالية، من جهة ووحدات حماية الشعب YPJ والقوات الحكومية السورية، وعدد من القواعد الروسية، من جهة أخرى".
المستوطنة ومسؤولية الأتراك
وأشارت الإفادات التي حصلت عليها "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، على مدار أشهر لغرض هذا التقرير، بأنّ "والي ولاية هاتاي التركية "رحمي دوغان - Rahmi Doğan" هو أحد المسؤولين المباشرين عن بناء ذلك "التجمع"، من خلال إعطاء الضوء الأخضر لعدد من المنظمات الإغاثية المحلية والدولية من جهة، والمجلس المحلي لمدينة عفرين من جهة أخرى، للبدء ببناء "التجمّع" على سفح الجبل وتخديمه، بعد أنّ عرضت مجموعة من الفصائل المعارضة، وعلى رأسها "الجبهة الشامية"، فكرة المشروع على السلطات التركية".
ونوّه الملخص التنفيذي إلى "تجاوز دور بعض المنظمات بتقديم "الخدمات العامّة" لعائلات المقاتلين، إلى بناء قرى بأكملها، وذلك لإضفاء صبغة مدنية على المشروع المخصص أساساً لإسكان المقاتلين وعوائلهم؛ ومنها "قرية "كويت الرحمة" التي بُنيت بدعم من "جمعية الرحمة العالمية" ومتبرعين من دولة الكويت، وذلك بحسب "جمعية شام الخير الإنسانية" التي نفّذت مشروع المستوطنة"، مشيرةً إلى ما كانت صحيفة "الوطن" الكويتية، قد كشفته في تقرير لها بتاريخ 2 أيلول/ سبتمبر 2021، من أنّ هذه القرية المنشأة (كويت الرحمة) هي واحدة من مجموعة من "القرى النموذجية" التي سوف يتمّ بناؤها على الحدود التركية السورية.
وتابعت المنظمة: "أيضاً، قام المجلس المحلي لمدينة عفرين، والذي تمّ تشكيله من قبل الحكومة التركية بعد احتلالها عسكرياً كامل المنطقة عام 2018، وبموافقة من "دوغان" على منح وثيقة تمّ تداول اسمها على أنّها "ورقة تخصيص"؛ وقد علمت "سوريون" بأنّها تعتبر بمثابة "إثبات ملكية للبناء" دون الأرض.
مراحل بناء المستوطنة
ووفق المنظمة، "بدأ التخطيط لعملية إنشاء التجمع (قرية كويت الرحمة والمساكن المحيطة به) على مساحات واسعة في "جبل الأحلام" في أوائل عام 2021، وما تزال مستمرة حتى تاريخ الانتهاء من إعداد هذا التقرير في نهاية نيسان/ أبريل 2022، حيث إنه من المخطط أن تمتد لتشمل الجبل كاملاً".
وكشفت المعلومات التي حصلت عليها "سوريون" لغرض هذا التقرير أيضاً، بأن "تسعة فصائل تتبع للجيش الوطني السوري، التابع للائتلاف السوري المعارض، متورطة بشكل أساسي في هذا المشروع، وعلى رأسها "الجبهة الشامية" بقيادة "مهند الخلف"، المعروف باسم "أحمد نور"، ونوهت "سوريون" إلى "لعب رجال الدين/ الشرعيين، في تلك الفصائل دوراً كبيراً في ترغيب المقاتلين بتسجيل أسمائهم وفي عمليات تقسيم المنطقة، ولاحقاً توزيع الأراضي على المقاتلين وعائلاتهم".
كذلك توصلت التحقيقات التي عملت عليها منظمة "سوريون"، إلى تورط عدد من المنظمات المحلية والدولية في عمليه الترويج للمشروع ودعمه، والترويج على أنه يهدف لاستفادة المدنيين منه بشكل أساسي، في حين كشفت الشهادات أنّ مقاتلي فصائل الجيش الوطني وعائلاتهم المنحدرة من مناطق ريف دمشق وحمص وحماة، كانوا هم المستفيدين الأساسيين من المشروع، حيث بلغت نسبة المستفيدين من المدنيين حوالي الربع، أي 25 %، وكان من أبرز هذه المنظمات هي منظمة هيئة الإغاثة الإنسانية التركية IHH، التي قدمت مواد بناء لكل مستفيد قدرت قيمتها بنحو ألف دولار أمريكي.
انتهاكات لإتمام بناء المستوطنة
وأشارت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، إلى أن الموقع الذي جرى بناء "التجمّع السكني" عليه، وهو "جبل الأكراد/جبل حلب" تمثل مساحته ما يساوي 2 % من عموم مساحة سوريا، وهو منطقة أحراش ويعتبر الغطاء النباتي الأكبر في محافظة حلب، وقد تم اقتلاع مساحات واسعة من الأشجار/ الأحراش وبناء مباني إسمنتية عوضاً عنها.
وتلفت عملية التوثيق والأدلّة التي جمعتها "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" لغرض هذا التقرير، إلى عدد من الانتهاكات لقوانين الاحتلال في شمال غرب سوريا، والتي تتحمل تركيا، كقوة احتلال، المسؤولية المطلقة عنها بموجب المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة، كما أنّ التخصيص الانتقائي لتراخيص البناء الذي يقدّم مصالح فصائل "الجيش الوطني السوري" على مصلحة المدنيين، على سبيل المثال، يشكل تصرفاً تمييزياً في توزيع المساعدات، مؤكدةً أنه "في هذا التصرف انتهاك للمادة 60 من اتفاقية جنيف الرابعة؛ وبالتالي فهو يخلق عائقاً بين المدنيين واحتياجاتهم الأساسية.
وذكرت "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، إلى أنه "من المفيد هنا أن ننظر إلى قضية فلسطين؛ حيث وجدت محكمة العدل الدولية في عام 2004، بأن الجدار الحدودي الذي تشيده إسرائيل يخاطر "بإحداث المزيد من التغييرات في التكوين الديمغرافي للأرض الفلسطينية المحتلة"، توازي إسهام الجدار في رحيل السكان الفلسطينيين من مناطق معينة (الفقرة 122).
ونوهت المنظمة أنه "لذلك، على الرغم من أن السلطات الإسرائيلية لم تذكر صراحةً أن الهدف من جدار الفصل هو التغيير الديمغرافي، نظراً للنمط الأوسع للأعمال الإسرائيلية، إلا أن بناء الجدار له أثر في توريط إسرائيل في هذه الجريمة ضد الإنسانية، بالنظر إلى نمط الانتهاكات التي وثقتها "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" وغيرها من المنظمات في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية شمال غرب سوريا، من المحتمل أن المستوطنات يتم انشاؤها لتكون جزءاً من هذه العملية الممنهجة لتغيير التركيبة الديمغرافية في عفرين، فهي تخضع لتغير واضح، نتيجة توطين السوريين النازحين من أجزاء أخرى من البلاد في أعقاب تهجير السكان الكرد بشكل أساسي، ووسط قمعٍ واسع للثقافة الكردية في عفرين".
أيضاً، أشارت المنظمة إلى "أنّ تواصل القوات المدعومة من تركيا بالسيطرة على منطقة عفرين، والاستيلاء وتأجير ممتلكات المدنيين الذين نزحوا أو فروا من المنطقة خلال عملية "غصن الزيتون"، يجعل أي عودة محتملة للسكان أمراً أكثر صعوبة، علاوةً على ذلك، على الرغم من الادعاءات أن هذه المستوطنات يتم بناؤها على أراض تعود ملكيتها للدولة، لا بد من الإشارة هنا إلى أنّ القوانين الجزائية السورية وصفت التعدي على الأملاك العامة بالجرم وعاقبت عليه في القانون، إذ نصت المادة 724 من قانون العقوبات العام رقم 148 لعام 1949 بأنه "يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر من أقدم على غصب قسم من الأملاك العامة المرفقة وغير المرفقة".
وتابعت المنظمة: "على أي حال، وكما أشار "المركز السوري للعدالة والمساءلة"، العام الماضي، فيما يتعلق بالمستوطنات في أماكن أخرى من عفرين، مثل مستوطنة "كويت الرحمة"، فإنه يتعين على المانحين من القطاع الخاص ومنظمات الإغاثة، فضلاً عن حكومات دولهم، ضمان أن يتم توزيع المساعدات بشكل منصف وبطريقة لا تنتهك حقوق الملكية وعودة السكان المدنيين النازحين، ويبقى الأمر الأكثر أهميةً هو أن الحكومة التركية، بصفتها القوة المحتلة التي تمارس سيطرة فعالة في عفرين وأجزاء أخرى من شمال غرب سوريا، هي المسؤولة مباشرةً عن الانتهاكات والقضايا التي تنطوي عليها المستوطنات حتى الآن".
منهجية التقرير
وحول التقرير، قال منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، إنه يعدّ جزءاً من سلسلة تقارير بدأت "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" العمل عليها منذ العام 2021، وذلك بهدف توثيق وجمع الأدلّة حول القرى والمستوطنات غير القانونية التي بدأ بناؤها في منطقة عفرين، بعد استيلاء الجيش التركي على المنطقة بمشاركة مباشرة من فصائل الجيش الوطني السوري، عقب عملية "غصن الزيتون".
ولغرض هذا التقرير، أجرى الباحث الميداني لدى "سوريون" أولاً، زيارة ميدانية إلى المنطقة خلال شهر تموز/ يوليو 2021، قام خلالها بمعاينة المكان الذي خصص لبناء التجمّع السكني عليه، وحصل على مجموعة من الصور والفيديوهات الحصرية، حين كان المشروع في بداياته الأولى.
ثم "استكمل باحثون آخرون من "سوريون" العمل على هذا التقرير، من خلال إجراء مقابلات مع 24 مصدراً، جميعهم على اطلاع مباشر بتفاصيل بناء الكتل السكنية في منطقة "جبل الإحلام"، بينهم عمّال إغاثة محليون، وشهود عيان، وعاملون في المشروع، اشترطوا عدم نشر معلوماتهم الشخصية لأسباب أمنية وخوفاً من الانتقام، إضافة إلى ذلك تمّ الحديث إلى عدد من المستفيديين وعدد من الأفراد من داخل الجيش الوطني السوري".
وبعد "الانتهاء من توثيق المعلومات والتفاصيل من المصادر المذكورة آنفاً، تم جمع معلومات إضافية من مصادر مفتوحة، وتمّ الحصول على صور أقمار اصطناعية حصرية للمنطقة التي تمّ بناء التجمّع السكني عليها، وذلك من أجل حصر المساحات التي تمّ البناء عليها".
ونوّهت المنظمة إلى ترؤس "مجلس عفرين المدني، المهندس "محمد سعيد سليمان"، ويشغل في الوقت ذاته المناصب التالية: وزير الإدارة المحلية والخدمات في الحكومة المؤقتة (التابعة للائتلاف السوري المعارض)، وأيضاً عضو هيئة رئاسية لمجلس العشائر والقبائل السورية، وأمين سر مجلس السلم الأهلي، ورئيس مجلس منظمة جودي للتربية والتعليم، وهو من مواليد حلب عام 1966، بينما يشغل "محمد شيخ رشيد" منصب نائب المجلس المحلي لعفرين".
ليفانت - سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!